من اجمل ماقرأت :
تروي قصتها هذه السيدة
التي تعد عمرها الخامسة والستين
فتقول :
انا فتاة جميلة انتمي لأسرة ريفيه عاديةمتوسطة الحال واسكن الارياف
عندما كنت في عمر 17 تقدم لخطبتي شاب من عائلة ثرية
وظللت الفرحة بيتنا، وأثنى أهلى على أسرته، ووصفوهم بأنهم مثال رائع للطيبة والكرم وحسن الأخلاق،
وعرفت أن خطيبى هو الابن الثانى لأبيه، حيث يكبره أخ واحد بعامين،
وأنه هو الذى يدير ثروة أبيه من الأراضى الزراعية
لما يتمتع به من القوة والحزم بعكس شقيقه
الذى يغلب عليه الهدوء وعدم القدرة على مواجهة الآخرين.
وأقام والده لنا حفل زفاف كبيرا حضره أهل القرية والقرى المجاورة، وانتقلت إلى بيتهم الواسع ذى الغرف المتعددة، فى ركن خاص بي
ووجدت والدته سيدة رائعة،
وأبوه رجلا دمث الخلق، وشقيقه شابا سمحا،
لا يتكلم كثيرا ولا يحتك بمن حوله،
ولعل ذلك هو ما دفع أباه إلى أن يفوض زوجى فى كل الأمور.
ولاحظت الرضا على الجميع بهذا الوضع،
فهم وحدة واحدة، وقرارهم واحد،
وبعد مضى عام على زواجنا،
انجبت طفلا جميلا، فانطلقت الزغاريد تجلجل فى أرجاء البيت، وعلت الابتسامة وجه حماى وحماتي،
وصار إبنى هو شغلهما الشاغل، فيسأل عنه حماى فى «الرايحة والجاية»،
وتحمله حماتى «نائما أو مستيقظا»،
وذات يوم وفى أثناء تناول طعام الغداء،
فاتح حماى، شقيق زوجى فى مسألة الزواج الذى كان يؤجله باستمرار،
وقال له «نفسى أفرح بك مثل أخوك»،
وحدثتنى نفسى بأن أختار له العروس التى سوف يتزوجها على مزاجي،
وصارحت زوجى بما يدور داخلي.
وقلت له:
«أنت الذى تدير أملاك أبيك ومن حقك أن تنال فى النهاية هذا الارث. ثم يكون لأولادك من بعدك، ولو تزوج أخوك وأنجب سيحصل على نصف الميراث، ومادام أنه لايفكر فى الانجاب ووصلت الأمور إلى حد الضغط عليه من أجل الارتباط، فسيوافق على من نختارها له»،
فاقتنع زوجى بكلامى وسألنى عن الفتاة
التى أرشحها له،
فقلت له:
«أنها ليست فتاة انها سيدة مطلقة لم تمكث مع زوجها سوى عام ونصف العام ثم طلقها لعدم الانجاب، مع أنها جميلة وتتمتع بالأخلاق الحميدة، علاوة على روحها المرحة، وهى تقترب فى صفاتها من صفات شقيقك، وقد اخترتها بالذات حتى لا تنجب، وتكون تركة إبيك فى النهاية لأولادك، فوافقنى على رأيى وتوليت مسئولية اقناع حماتى بالعروس المناسبة من وجهة نظرى دون أن أفصح عن سبب طلاقها،
ولم يتوقف شقيق زوجى عند مسألة طلاقها،
بل أبدى سعادته بهذا الاختيار،
ومازال رده يرن فى أذنى
إذ قال فى نهاية جلستنا «توكلت على الله»
وخرج إلى المسجد لأداء صلاة العشاء، وتم عقد القران والزفاف وسط لقاء عائلى دون حفل كما جرت العادة مع من سبق لهن الزواج،
وأحسست وقتها بنشوة الانتصار،
وبأن خطتى للاستئثار بالميراث تمضى كما رسمتها،
وعشنا معا حياة مستقرة، لم يعكر صفوها شىء، ومرض حماى ثم رحل عن الحياة، وودعناه بالدموع، والتففنا حول حماتى وازددنا ترابطا،
ثم فوجئنا بما لم أتوقعه إذ حملت زوجة اخ زوجي،
وظهر عليها الحمل، فأخذت أضرب كفا بكف، كيف تحمل وهى عاقر، فلقد كان السبب فى طلاقها هو عدم الانجاب
ووضعت زوجة شقيق زوجى توءمين جميلين،
انجبت ولدين فى بطن واحدة،
وعنفنى زوجى على صنيعى كما أننى لم يكن لدى وقتها سوى ابنى الوحيد الذى لم انجب سواه،
وكبر الولدان وكلما شاهدتهما أمامى يمر برأسى شريط الذكريات، وما كنت أرتب له بعد رحيل الكبار حين تصبح الأرض كلها ملكا لأولادي، ثم توالى انجابها البنين والبنات فانجبت ولدا ثالثا وبنتين، فى حين أنا توقف انجابى تماما،
ودارت السنون وصار الأولاد شبابا، وأصبحت أخاف على إبنى من كل خطوة يخطوها،
فأتتبعه وأسأل عليه، وكان لدينا جرار زراعي، يعمل عليه فى أرضنا الزراعية فى أيام الأجازات الدراسية،
وذات يوم أخذ الجرار، وذهب فى طريقه إلى الحقل، فصدمته سيارة نقل مسرعة فى أحد المنحنيات، فأطاحت به بعيدا لعشرات الامتار،
وجاءنا الخبر المفجع،
فأسرعنا به إلى المستشفى المركزى القريب منا،
وظل فى العناية المركزة ثلاثة أيام،
ثم صعدت روحه الى بارئها، ودارت بى الأرض وغبت عن الوعي، وأخضعونى للفحص الطبي، وشخصوا حالتى بانها صدمة عصبية شديدة، وتلقيت علاجا استمر مدة طويلة،
وبعد أسابيع قليلة مات زوجى ولم أحد بجوارى سوى أبناء شقيقه الذين حاولت أن أمنع وجودهم فى الحياة، بالحيلة الدنيئة التى دبرتها له للزواج من عاقر،
فإذا بالله عز وجل يخلف ظني، ويحدث ما حدث، وافقد ابنى الوحيد ليؤول كل شىء إلى أولاد شقيق زوجي، الذين صاروا أولادى بالفعل بعد كل ما صنعوه لي.
ولقد أراد الله أن أعيش لأرى كل من حولى يرحلون من الدنيا واحدا بعد الآخر لكى انال العقاب الذى استحقه فى الدنيا، فلقد رحل شقيق زوجى وبكيته كثيرا، ثم رحلت زوجته، وكنت إلى جوارها فى اللحظات الأخيرة، وكان مشهد رحيلها مؤثرا فى نفسى الى حد لا استطيع وصفه، إذ امتلأ وجهها نورا، وكانت تتمتم قائلة «الحمد لله». وكررتها كثيرا، وكانما كانت ترى مقعدها فى الجنة،
نعم والله يا سيدي:
سمعتها وهى تؤكد شكرها لربها، وأدركت أنها تشاهد جزاء نقاء سريرتها، وقربها من الخالق العظيم.
وإننى أعيش الآن بين أبنائى أقصد ابناء شقيق زوجى الراحل.. وأنا بالنسبة لهم بمنزلة الأم، بل لا يتخذون خطوة واحدة فى حياتهم إلا بعد استشارتي، وكلما جاءنى أحدهم ضاحكا مناديا يا أمي، أقول فى نفسى
.....«حكمتك يا رب».....
إنه سبحانه وتعالى علام الغيوب،
وقد أراد لى أن تعلم الدرس البليغ بأن الله يفعل ما يشاء، وان المكر السيئ لا يحيق إلا باهله، ولقد تعلمته بالفعل،
وإننى أدعوه فى كل صلاة، وفى كل وقت ان يغفر لى ذنوبى ويستر لى عيوبي،
فالله هو القاهر فوق عباده، ويعلم خائنة الأعين، وما تخفى الصدور،
«ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا،
وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب» .
0 تعليقات