سورة الكهف, قصص سورة الكهف

سورة الكهف, قصص سورة الكهف .

سورة الكهف هي سورةٌ مكيةٌ رقمها 18، تسبق سورة مريم وتلحق سورة الإسراء، في ترتيب سور القرآن الكريم. عدد آياتها 110 آية، وهي من السور المكية المتأخرة في النزول، إذ أن ترتيب نزولها 69. تتوسط السورة القرآن الكريم، فهي تقع في الجزئين الخامس عشر والسادس عشر، 8 صفحات في نهاية الجزء الخامس عشر و3 في بداية الجزء السادس عشر. تتناول السورة عدة مواضيع، تدور حول التحذير من الفتن، والتبشير والإنذار، وذكر بعض المشاهد من يوم القيامة، كما تناولت عدة قصص، كقصة أصحاب الكهف الذين سُميّت السورة لذكر قصتهم فيها.

سورة الكهف من السور ذوات الفضل في القرآن الكريم، وذكرت في أحاديث كثيرة، ومن أهم فضائلها ما ذكر أن قراءتها في يوم الجمعة نورٌ ما بين الجمعتين.
سورة الكهف هي سورة " أطوار الاستحالة"...
تنقلك من طور إلى آخر، أربعة أطوار تتمثل في قصص سورة الكهف الرئيسية...فتية الكهف، صاحب الجنتين، موسى والعبد الصالح، وذو القرنين...
كل من هذه الأطوار تمثل مرحلة من مراحل النمو والقوة...
تقريبا كل شيء في العالم، يمر بهذه الأطوار..
كل نجاح، بمختلف أنواع النجاح ومعانيه، الفردية والاجتماعية، تمر أولا بمرحلة كمون، مرحلة يكون الأمر فيه مجرد فكرة، فكرة جديدة خارج سياقات المألوف والمعتاد، غالبا مستهجنة ومحاربة أو في أحسن الأحوال متجاهلة من الجميع...
تلك المرحلة هي الكهف...الكهف الذي أوى له الفتية وهم يحملون إيمانهم بالله، والكهف الذي يحتوي أي فكرة في بدايتها..فكرة علمية..أو فكرة لمشروع...أي فكرة تحتاج إلى " حاضنة" عندما تكون لا تزال بذرة..تحتاج أن تحمى من أي تأثير ..أن يحتضنها صاحبها بعيدا عن كل شيء...أن ينفرد بها لكي يستطيع أن يجعلها مميزة...
الكهف هنا مثل الحاضنة، الرحم..والفكرة، البذرة هنا مثل الجنين الذي لا بد أن ينمو داخل الرحم بعيدا عن العالم الخارجي...
****
مرحلة صاحب الجنتين، هي أولى مراحل الخروج إلى الكهف...النزول إلى الواقع، في القصة يحاور المؤمن " صاحبه" الكافر ويحاول تغيير فكرته...الفكرة إذن اصبحت مؤهلة لكي تواجه الفكرة المقابلة وتناقشها...خرجنا من الحاضنة إلى التضاد والتفاعل مع الأفكار الأخرى، تفاعل يمكن ان يكون مثل اللقاح الذي يزود الفكرة الأصلية بمناعتها عبر تكوين مضادات لا بد منها...
كل فكرة تحتاج هذا الجدل، هذا التفاعل، لا يمكن لها أن تنزل إلى التطبيق قبل أن تمر بهذه المرحلة، مرحلة صاحب الجنتين..
*****
مرحلة موسى والعبد الصالح، هي مرحلة التطبيق، مرحلة النزول إلى الأمر الواقع..مرحلة المرونة في الفهم والابتعاد عن الألواح الحجرية...كل فكرة عندما تكون مجرد فكرة تحتوي على نوع من المثالية التي ستصطدم حتما بالواقع ولن تجد لها مكانا في التطبيق...بدلا من ترك الفكرة كلها وبدلا من تحطمها على صخرة الواقع، لا بد من نوع من المرونة، لا بد من تحديث مناسب للواقع ومعطياته التي كانت غائبة في مرحلة " الكهف"...
الأمر هذا يحدث مع كل فكرة وكل مشروع...مهما كانت طبيعته...بل حتى مع العلاقات الشخصية...الفكرة المسبقة قبل الدخول في " معترك الحياة" تكون " نظرية" ومليئة بالتوقعات العالية...لكن لاحقا تحدث " تعديلات" تناسب الواقع...دون أن تلغى الفكرة الأصلية تماما...
******
مرحلة ذي القرنين هي مرحلة النجاح، ذروة المشروع أو الفكرة... المرحلة النهائية - الهدف لكل ما سبق...في القصة يبدو "إتباع الأسباب" واضحا كركيزة لهذا النجاح...لكن الحقيقة أن هذا النجاح كان النتيجة لكل ما سبق من مراحل..
ليس هذا فقط...ففي كل مرحلة من هذه المراحل، هناك  أيضا في داخلها كهف صغير...كهف تنسحب إليه لتراجع وتعيد النظر وتعيد التقييم...كهف تختلي فيه مع نفسك ومع فكرتك ...وهناك في كل مرحلة ذلك النقاش مع الفكرة المضادة...وفي كل مرحلة أيضا هناك ذلك التفاعل مع الواقع ومتطلباته...
كل المراحل موجودة في كل طور من الأطوار...المهم أن تكون واعيا بأهمية ووظيفة كل طور...
******
لو تأملت في حياتك، لربما وجدت بعض هذه الأطوار...ربما كنت لا تزال في تمر بها..ربما كنت في الكهف...وربما كنت لا تعرف أن عليك الخروج منه...ربما وجدت نفسك خارج الكهف قبل الأوان، ودفعت ثمنا باهظا لذلك..ربما علقت في الكهف لأن الخارج بدا لك مخيفا جدا...
ربما تجد في الكهف البراءة والنقاء الأول الذي كان ذات يوم، وربما تجد في صاحب الجنتين أول مرة تعرفت فيها على أفكار أخرى مختلفة عن ما تعتنقه... ربما تجد صدمتك الأولى ( والثانية والثالثة ..) في قصة الموسى والعبد الصالح ...ربما ستجد فيها كل ما كرهته في حياتك عندما حدث، واعتبرته أسوأ ما حدث لك...ثم تمر الأيام، فإذا بك تكتشف أنها كانت أفضل ما حدث لك...
هل ستجد مرحلة ذي القرنين أيضا في حياتك؟ إن كنت ستجد..فحافظ عليها، بكهف بين حين وآخر..تراجع فيه كل ما حدث ..
******
نعتبر " أهل الكهف" مثالا على النوم الطويل..وفي الحقيقة أنهم كانوا قد سبقوا عصرهم...
يمكنك أن تعد الكهف مكانا للنوم فعلا...وتقضي حياتك فيه..
لكن يمكن لهذا الكهف أن يكون منجما أيضا...
يمكن لكهفك أن يخرج منك أفضل ما فيك...

إرسال تعليق

0 تعليقات