كم يحبّك الله . يحبّك الله بقدر ما يرفعك به في درجات العلم ويفتح عليك من حلاوة الإيمان .

  قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .


القول في تأويل قوله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في السبب الذي أنـزلت هذه الآية فيه. فقال بعضهم: أنـزلت في قوم قالوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا نحب ربنا "، فأمر الله جل وعز نبيه محمدًا صل الله عليه وسلم أن يقول لهم: " إن كنتم صادقين فيما تقولون، فاتبعوني، فإن ذلك علامة صِدْقكم فيما قلتم من ذلك .

كم يحبّك الله ؟

حب الله لك هو = بقدر ما يرفعك به في درجات العلم ويفتح عليك من حلاوة الإيمان ، ففي الحديث : «إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب، فإذا أحب الله عبدا أعطاه الإيمان » ، وفي "الصّحيح" : « من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين » .


فهو = بقدر حرصك على طلب العلم بالله وسعيك في حفظ كتابه وبحثك عن حكمه ومراده ، وبقدر ما تتّخذ من أسباب ذلك بتحرّي السّؤال عن دينه والاستفتاء ، وبقدر حرصك على العمل بذلك وإخلاصك فيه لبلوغ مرضاته ، وبقدر ما تلهج به من ذكره وتكثر من ذلك وتتلو من كلامه .


ومحصّله أنّ حبّه لك هو = بنفس مقدار قربك منه وتقرّبك إليه ، فهو = بنفس المسافة لا تنقص ولا تزيد إلّا فضل توفيقه إيّاك لذلك وجزاءه ، ولذا جاء في الحديث القدسيّ : « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ، ومن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ».


وفي الحديث الآخر : « إن العبد ليلتمس مرضاةَ اللَّه ، ولا يزالُ بذلك، فيقول اللَّهُ عزَّ وجلَّ لجبريل: إن فلانًا عبدي ‍يلتمس أن يرضيني، ألا وإن ‍رحمتي عليه .. » . وفي التّنزيل في شأن الأنبياء : ( إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ) . وفي حديث الأولياء : « وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ... » . 


ولذا فحبّ الله لك هو = بقدر ما يوقظك للقيام بين يديه للصّلاة والنّاس نيام ، وبقدر ما تتدّبر أنت عند تلاوة كلامه وتتذكّر ، وبقدر ما يرقّق قلبك لذلك وتذرف عينك ممّا هنالك ، وبقدر ما يفتح عليك من المعارف ويزيدك من العلم ويبلّغك من الأحوال . ومحصّله أنّ حبّه لك هو = بقدر نشاطك وسرعتك في العمل له وترك الكسل ، كما في آخر الحديث القدسيّ السّابق حيث قال تعالى : « ومن أتاني يمشي أتيته هرولة » ، وقال في التّنزيل فيمن لا يحبّهم : ( كَرِهَ اللهُ انبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقيلَ اقْعُدوا مَعَ القاعِدينَ ) !


وكذا حبّ الله لك هو = بقدر ما تحبّ أنت أهل الطّاعة والنّشاط لها ؛ وهم الّذين يسعون في ذلك ويذكّرونك ويعينونك ويقوّونك، وهو = بقدر ما تجانب من يصدّك عن ذكره ويدعوك لمعصيته وتنفر منه إلى حدّ تتمنّى فيه الموت حرقًا على أن يبعدك عنه ؛ ففي الحديث : «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاّ للَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» ، وفي التّنزيل : ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ) .


فهو بقدر ما تحبّ الدّعاة إليه وتبغض الصّادّين عن سبيله وتجتنب أهل الجهل به وتتواضع لعلمائه ؛ ففي الحديث : « إنّ من إ‍جلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المُقسط » ، وفي الحديث الآخر : « من ‍تواضع لله رفعه الله » .


ومحصّله أنّه = بقدر ما تحبّ أولياءه وتبغض أعداءه ؛ ففي الحديث : « من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان» . وفي الحديث الآخر : « ‏أوثق عرى الإيمان‏:‏ الحب في الله والبغض في الله » . وقال تعالى في الّذين : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين * يجاهدون في سبيل الله .. ) .


ولذا فحبّ الله لك هو = بقدر تخطّيك العوائق دونه وتحمّلك الشّدائد وتجشّمك المصاعب ؛ فهو بقدر = صبرك على بلائه ورضاك بقضائه وتسليمك الأمر كلّه له ؛ ( والله يحبّ الصّابرين ) ، وفي الحديث : «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ » . 


والمحصّل أنّه = بقدر إخلاصك له في تصرّفاتك وسكناتك وحركاتك وحتّى نبضاتك؛ بأن تكون كلّها = لله وبالله وفي الله ! ومحصّل المحصّل : أنّ مقدار حب الله لك هو = غاية القسط ومنتهى العدل ؛ ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) ، ( فَاتَّبِعُوْنِيْ يُحْبِبْكُمُ الله ) ، ( فَاذكُرونِي أَذكُرْكُم ) ، و ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) !؟


كم يحبّك الله . يحبّك الله بقدر ما يرفعك به في درجات العلم ويفتح عليك من حلاوة الإيمان .

إرسال تعليق

0 تعليقات