لا يجوز لمن عليه قضاء فوائت أن ينشغل عنها بصلاة التّراويح ونحوها، وإنّما الّذي عليه هو أن يجمع بين نيّتي القضاء والتّراويح معًا عند الجمهور ممّن يجعل التّراويح من قبيل النّوافل المطلقة ويجوّز الجمع بين نيّة الفرض ونيّة النّفل المطلق بخلاف المالكيّة فإنّهم أطلقوا المنع من الاشتغال بالتّراويح لمن عليه فوائت من صلوات مفروضة لأنّ الفرض مقدّم على النّفل، وإنّما يستثني الجميع من ذلك النّفل الّذي لا يتعارض مع الفرض مثل تحيّة المسجد، وهذا عند الجمهور هو لعدم مقصوديّة النّفل بذاته لأنّ الأمر فيه هو بمطلق الصّلاة فيتحقّق فيه المقصود منه ولو صلّي بنيّة الفرض، وكذا هو عند الجميع لكونه نفلا يسيرًا فلا يشغل فعله إلّا وقتًا يسيرًا ومن ثمّ لا يؤثّر ذلك على مطلوبيّة تقديم الفرض عليه، وكذا يستثني الجميع النّفل المقيّد بسبب أو وقت مثل الوتر والرّواتب القبليّة كسنّة الفجر فإنّ هذه ممّا تفوت بفوات سببها وهو تقدّمها على الفرض نفسه فلا يمكن استدراكها بخلاف الفوائت ومن ثمّ جاز تقديمها على قضاء الفائتة كما فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لمّا ناموا عن الفجر، ولذا لا يدخل النّفل المطلق في هذا الاستثناء لأنّه ممّا يُمكن استدراكه في وقت لاحق إذ هو مطلق عن السّبب فلا يفوت بفوات السّبب، وأولى بعدم الدّخول النّفل الطّويل كالتّراويح على قول من جعلها من قبيل النّوافل المطلقة كفيام اللّيل عند الجمهور أيضًا غير أنّ الجمهور يجوّز الجمع بين نيّتي الفريضة والنّفل المطلق كما تقدّم، ولذا أجاز أكثرهم صلاة التّراويح بنيّة قضاء الفوائت أيضًا، بل أجاز الشّافعيّة ذلك خلف إمام لا ينوي غير التّراويح، وهذا مبنيّ على قاعدتهم في جواز صلاة المفترض خلف المتنفّل أيَضًا لعدم شمول معنى البناء في الاقتداء بالإمام للاقتداء به في نوع الصّلاة .
الشيخ قيس الخياري

--------

الحمد لله،
من كان عليه صلوات فوائت يجُوزُ له أن يستغلَّ التروايحَ في قضاء ما عليه، وذلك بأن يصلي خلف الإمامِ وهو ينوي قضاء صلاةٍ مِمَّا عليه، فيجزئه ذلك عن الصَّلاة التي يقضيها، ثم يحصَّل به ثوابُ القيامِ.
وعلى ذلك نصَّ أصحابُنا الشَّافعيّة، نصُّوا على جوازِ اقتداءِ المفترضِ (أي: من يصلي فرضًا) بالمتنفل (كالإمام الذي يصلي التروايح)، ونصُّوا على حصول ثوابِ القيامِ بكلِّ صلاة بين العشاء والفجر ولو كانت قضاءً.
فإن كان ينوي قضاءَ صبحٍ مِمَّا عليه = سلَّمَ مع الإمامِ.
وإن كانَ ينوِي قضاءَ ظهرٍ أو عصرٍ أو عشاءٍ مما عليه = لم يسلم مع الإمام، بل قامَ بعد سلامِه كالمسبوق فأتى بركعتين.
وإن كان ينوِي قضاءَ مغربٍ مما عليه = لم يسلم مع الإمام، بل قام بعد سلام الإمام كالمسبوق فأتى بركعة.
فإن كان يتحرج من القيام أمام الناس ليأتي بركعتين أو ركعة = فليقتصر على قضاء ما عليه من فوائت الصبح، ومن ثم يسلم مع الإمام.
وليحرص إخواننا على قضاءِ ما عليه من صلواتٍ فوائت؛ فإنَّ المذاهبَ الأربعة متفقة على أنَّ من تركَ الصَّلاة عمدًا وجب عليه أن يقضيها، ولا تسقطُ عنه إلا بذلك، والخلافُ في المسألة شاذٌّ واهٍ.
ويدلُّ لاتفاق المذاهب الأربعة: قولُ رسول الله ﷺ: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها».
فإذا وجَبَ القضاءُ على التارِك بعذر النسيان فالتارك بلا عذر أولى.
ولا يتصور أن لا يسقط القضاءُ على التاركِ بعذرٍ، ثم يسقط عن التارك بلا عذرٍ.
وقولُ من قالَ: إنه لا يقضيها أصلًا ويكثر من النوافل = قولٌ شاذٌّ مخالفٌ للإجماعِ .
قال النوويُّ - رحمه الله - : «أجمَعَ العلماءُ الذين يُعتدُّ بهم على أنَّ من تركَ صلاة عمدًا لزمه قضاؤها، وخالفهم أبو محمد ابن حزم فقال: لا يقدر على قضائها أبدًا، ولا يصح فعلها أبدًا، قال: بل يكثر من فعل الخير وصلاة ‍التطوع ليثقل ميزانه يوم القيامة ويستغفر الله تعالى ويتوب، وهذا الذي قاله مع أنه مخالفٌ للإجماع باطلٌ من جهة الدليل» .
ولا شكَّ أن أداءُ الإنسانِ ما عليه من الدينِ لله سبحانه أولى من التنفل؛ فقد صحَّ في الحديث القدسي: «وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه»، وقال النبي ﷺ: «فدين الله أحق أن يقضى».
والله أعلم.

إرسال تعليق

0 تعليقات