عن عبدالله بن عباس قال: خَرَجَ عَلَيْنا النبيُّ ﷺ يَوْمًا فَقالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النبيُّ معهُ الرَّجُلُ، والنبيُّ معهُ الرَّجُلانِ، والنبيُّ معهُ الرَّهْطُ، والنبيُّ ليسَ معهُ أحَدٌ، ورَأَيْتُ سَوادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فقِيلَ: هذا مُوسى وقَوْمُهُ، ثُمَّ قيلَ لِي: انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذا وهَكَذا، فَرَأَيْتُ سَوادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فقِيلَ: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ، ومع هَؤُلاءِ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسابٍ فَتَفَرَّقَ النّاسُ ولَمْ يُبَيَّنْ لهمْ، فَتَذاكَرَ أصْحابُ النبيِّ ﷺ فَقالوا: أمّا نَحْنُ فَوُلِدْنا في الشِّرْكِ، ولَكِنّا آمَنّا باللَّهِ ورَسولِهِ، ولَكِنْ هَؤُلاءِ هُمْ أبْناؤُنا، فَبَلَغَ النبيَّ ﷺ فَقالَ: هُمُ الَّذِينَ لا يَتَطَيَّرُونَ، ولا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَكْتَوُونَ، وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقامَ عُكّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ فَقالَ: أمِنْهُمْ أنا يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: نَعَمْ فَقامَ آخَرُ فَقالَ: أمِنْهُمْ أنا؟ فَقالَ: سَبَقَكَ بها عُكاشَةُ. صحيح البخاري (٥٧٥٢)

شرح: يَحكي ابنُ عَبّاس رضي اللَّه عنهما، أنَّهُ ﷺ عُرِضَتْ عليه الأُمَمُ، فجعَلَ يَمُرُّ النَّبيُّ ومعه الرَّجُلُ، والنَّبيُّ ومعه الرَّجُلانِ، والنَّبيُّ ومعه «الرَّهْطُ»، وهوَ ما دونُ العَشَرةِ مِن الرِّجالِ، والنَّبيُّ يَمُرُّ لَيسَ مَعَهُ أحَدٌ مِمَّنْ أخبَرَهُم عن اللَّهِ؛ لِعَدَمِ إيمانِهِم. ثُمَّ رَأى ﷺ سَوادًا يَسُدُّ «الأُفُقَ» وَهيَ: نَواحي السَّماءِ والأرضِ، فَرَجا أنْ تَكونَ أُمَّتَه، فَقيلَ: هذا موسى وَقَومُه، ثُمَّ قيلَ له انظُر فَرَأى سَوادًا كَثيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقيلَ له: انظُر هَكَذا وَهَكَذا، فَنَظَرَ فَرَأى سَوادًا كَثيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقيلَ له: هَؤُلاءِ أمَّتُكَ الَّذينَ آمَنوا بِكَ، وَمَعَ هَؤُلاءِ سَبعونَ ألفًا يَدخُلونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِساب، فَتَفَرَّقَ النّاسُ ولَم يُبَيِّن لهم ﷺ السَّبعونَ ألفًا، فَتَذاكَرَ أصحابُ النَّبيِّ ﷺ، فَقالوا: أمّا نَحنُ فَوُلِدْنا في الشِّركِ، ولكِنّا آمَنّا بِاللَّهِ وَرَسولِهِ، وَلَكِنْ هؤلاءِ هُم أبناؤُنا الَّذينَ وُلِدوا في الإسلامِ، فَبَلَغَ قَولُهُم النَّبيَّ ﷺ، فَقالَ الدّاخِلونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ هُم الَّذينَ «لا يَتَطَيَّرونَ»، أي: لا يَتَشاءَمونَ، «وَلا يَكْتَوونَ»، أي: لا يَطلُبونَ مِن أحَدٍ أن يَكويَهُم إذا مَرِضوا، «وَلا يَسْتَرْقونَ»، أي: لا يَطلُبونَ مِن أحَدٍ أن يَقرَأَ عليهم؛ لِأنَّهُم مُعتَمِدونَ عَلى اللَّهِ؛ ولأنَّ الطَّلَبَ فيه شَيءٌ مِن الذُّلِّ. وعلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ، أي: يُفَوِّضونَ أَمْرَهم إلَيه تعالى، في تَرتيبِ الأسبابِ عَلى المُسَبِّباتِ، أو يَتْرُكونَ ذلك مُطلَقًا على ظاهِرِ اللَّفظِ. فَقامَ عُكّاشةُ بنُ مِحْصَنٍ فَقالَ: أَمِنْهُم أنا يا رَسولُ اللَّهِ؟ قالَ ﷺ: نَعَمْ، أنتَ مِنهُم، فَقامَ آخَر فَقالَ: أَمِنْهُم أنا يا رَسول اللَّهِ؟ فَقالَ ﷺ: سَبَقَك بِها عَكّاشةُ. في الحَديثِ: أنَّ تَرْكَ الرُّقيةِ والكَيِّ تَوَكُّلًا عَلى اللَّهِ تَعالى أفضَلُ مِن فِعْلِهما. وفيه: النَّهيُ عَن الطِّيَرةِ. وفيه: فَضيلةُ موسى عليه السَّلامُ وَقَومِه. وفيه: إخبارُهُ ﷺ عَن الغَيبِيّاتِ.

إرسال تعليق

0 تعليقات