تدبر الجزء الحادى و العشرون من كتاب جعلناه نورا

تدبر الجزء الحادى و العشرون من كتاب جعلناه نورا .

1. ﴿فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [العنكبوت: 47]:
ومن أمثال هؤلاء: عبد الله بن سلام وغيره، وخصَّهم الله بإيتاء الكتاب لكونهم من العاملين به، وكأن غيرهم لم يؤتوه؛ لأنهم لم يعملوا بما فيه، ومما فيه: أوصاف النبي ﷺ.

2. ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: 48]:
معجزة القرآن لم تكتمل إلا بكون النبي ﷺ أميا لا يقرأ ولا يكتب. قال الإمام الرازي: «أجَلُّ معجزات النبي محمد ﷺ وأشرفها أنه كان رجلاً أميًا».

3. ﴿إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: 48]:
قال قتادة: «يعني لو كنتَ تكتب أو تقرأ الكتب قبل الوحي، لشكَّ المبطلون المشركون من أهل مكة، وقالوا: إنه يقرؤه من كتب الأولين، وينسخه منها».

4. ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54):
أي النار جامعةٌ لكل كافر، لن يفلت منهم واحد، ولا يبقى أحد من الكفار إلا دخل النار.

5. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا(58)
أربح صفقة!
إيمان + عمل صالح = غرف فخمة عالية + جريان الأنهار من تحتها + خلود أبدي.

6. نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)
ولم تأت بصيغة الأمر، فلم يقل: خذوا أجرتكم، لأن لفظ الأمر ربما دلَّ على انقطاع الأجر بعده، وأما: ﴿نِعْم أجر العاملين﴾، فتوحي بدوام الأجر، وأنه يزداد نعيما يوما بعد يوم، وهو ما لا يكون إلا في الجنة.

7. ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [العنكبوت: 59]:
جاء الفعل (صبروا) ماضيا من باب البشارة للمؤمنين، كأن العذاب والشدة أمر قد مضى، وأن المستقبل مشرق وآمن، بينما جاء الفعل (يتوكلون) مضارعا؛ لأن التوكل في حياة المسلم أمر متجدد كل يوم، فلا يعمل المسلم عملا مهما دق أو عظم إلا متوكلا على الله سبحانه.

8. ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [العنكبوت: 59]:
قال الشيخ السعدى فى تفسير هذه الآية:
«وبذلك تنجح أمورهم وتستقيم أحوالهم، فإن الصبر والتوكل ملاك الأمور كلها، فما فات أحدًا شيء من الخير إلا لعدم صبره وبذل جهده فيما أُريد منه، أو لعدم توكله واعتماده على الله».

9. اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)
ما فائدة إثبات العلم لله بعد إثبات الرزق؟!
والجواب: لا يصح إطلاق اسم الرزاق إلا على العالم بحاجة عبيده للرزق.

10. فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (65):
قال القشيري:
«الإخلاص تفريغ القلب عن الكلّ، والثقة بأن الإخلاص ليس إلا به سبحانه».

11. فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
من أهم موانع التوحيد: طول الأمل وإنكار الآخرة، فلو انقطع الأمل في الدنيا لرجعوا إلى الفطرة الناطقة بالتوحيد.
والصالحون، أو عملك الصالح، وشفاعتهم تكون بدفع النار عنك أو ترقيتك في درجات الجنة.

12. وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)
بعد الإبلاس يأتي الافتراق، عذاب فوق العذاب، فيكون الفراق بين أهل الإيمان عن أهل الكفر والعصيان.

13. يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ 19):
قال ابن عاشور:
«في الآية إيماء إلى أن الله يخرج من غلاة المشركين أفاضل من المؤمنين، مثل إخراج خالد بن الوليد من أبيه الوليد بن المغيرة، وإخراج هند بنت عتبة بن ربيعة من أبيها أحد أئمة الكفر، وإخراج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط من أبيها».

14. وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا:
مشكلتنا في اعتياد رؤية الآيات، وكثرة تعرض القلب لعجائب الأرض والسماوات، لذا كانت عبادة التفكر من أجلِّ العبادات.

15. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ(31):
ما الإنابة؟
قال الماوردي: «وفي أصل الإنابة قولان:
- أحدهما: أن أصله القطع، ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة.
- الثاني: أصله الرجوع، مأخوذ من ناب ينوب، إذا رجع مرة بعد أخرى، ومنه النَّوْبَة لأنها الرجوع إلى عادة».

16. وَاتَّقُوهُ (31):
اتقوا غضب الله خاصة في حصائد الألسنة! يقول الإمام الشافعي:
لسانك لا تذكر بها عورةَ امرئ ...
فكلك عوراتٌ وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً ..
لقومٍ فقل يا عين للناس أعين

17. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31):
ترك الصلاة من أفعال المشركين! قال ابن حجر:
«وهذه الآية مما استدل به من يرى تكفير تارك الصلاة، لما يقتضيه مفهومها، وأجيب بأن المراد: أن ترك الصلاة من أفعال المشركين، فورد النهي عن التشبه بهم، لا أن من وافقهم في الترك صار مشركا، وهي من أعظم ما ورد في القرآن في فضل الصلاة».

18. ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ (38):
بشرى لكل مخلص! كلما كنت أكثر إخلاصا كلما كان أكثر خيرا لك.

19. وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ (39):
ليس الربا المعروف، وإنما الربا بالمعنى اللغوي، فكأنه حذَّر سبحانه من أن يُهدي العبد ذوي القربي واليتامى وابن السبيل طمعا في أن يُهدَى إليه أكثر، وأخبر أن هذا لا ثواب له عند الله.

20. ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾[الروم: 44]:
الكفار لا يضرون إلا أنفسهم، وذلك بأعظم الضرر! قال صاحب الكشاف: «قوله فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ كلمة جامعة لما لا غاية وراءه من المضار، لأن من كان ضاره كفره، فقد أحاطت به كل مضرة».

21. ﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾[الروم: 44]:
والمهاد: الفراش، ومنه مهاد الصبى أي فراشه، والجملة تصوير رائع للثمار الطيبة للعمل الصالح في الدنيا، فصاحبه قد مهَّد لنفسه مكانا مريحا في كل منازل الآخرة، بدءا من القبر وصولا لساحة الحشر، حتى يبلغ الجنة.

22. اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)
فائدة التذكير بالنِّعَم! قال الحسن البصري: «أكثِروا ذكر هذه النعمة، فإن ذكرها شكر».

23. وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49)
إذا جاء الغيث بعد طول يأس كانت الفرحة مضاعفة.

24. فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ (50):
الأمر بالنظر متوجه إلى البصر والبصيرة، فالأول بالعين، والثاني بالقلب.

25. كم من مبصر بعينه لم يفده بصره لأن قلبه أعمى؛ وكم من كفيف لم يبصر؛ وبصيرته تضيء لكثير من المبصرين.

26. التاء مبسوطة في ﴿رحمت﴾ تفيد أنها رحمة بُسِطَت بعد قبضها، وجاءت بعد شدة، ودائما تكون مضافة مباشرة للفظ الجلالة.

27. كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50):
استدلال بالمحسوس المنظور –وهو حياة الأرض بعد الموت- على القادم المنتظر، وهو إحياء الموتى.

28. قال السعدي:
«حياة الأرض بعد موتها من أعظمِ الأدلة على سعةِ رحمته، فالدليل في القلب الخالي من العلم والخير حين ينزل الله عليه غيث الوحي، فيهتز وينبت العلوم المختلفة النافعة، والأعمال الظاهرة والباطنة ‏أعظم من الأرض بكثير».

29. فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ
الاعتذار قبل الموت بلحظة تُفتَح له أبواب القبول، لكن بعد خروج الروح بلحظة لا ينفع العبد الظلوم الجهول.

30. وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)
يُقال: استعتبْتُه فأعتَبَني، أي استرضيته فأرضاني، والمعنى: لا يُطلَب منهم ولا يُقبَل الرجوع إلى الله بالتوبة والعمل الصالح؛ لإزالة عتب الله وغضبه عليهم.

31. وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ
إشارة إلى دور القرآن في إزالة الأعذار، وأنه أتى بما يكفي الناس من الإنذار، فأقام الحجة على الكل.

32. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
للهداية شرطان: استقامة الظاهر وضرب لها مثلا بالصلاة والزكاة، واستقامة السر والباطن وضرب لها مثلا باليقين.

33. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا
المستكبر فولاذي القلب، فلا تخترق قلبه الآيات، وترتد عنه دون أن تنفذ إليه أو تؤثِّر فيه العظات.

34. كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7):
احذر كثرة استماع الغناء!
كثرة استماع الغناء المحرَّم تصم الآذان عن الانتفاع بالقرآن، فاجتماع النقيضين في القلب محال، ولابد لأحدهما أن يطرد الآخر في الحال أو مع الإمهال.

35. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)
الترك عملٌ لو كان بِنيَّة!
في الحديث: «قالت الملائكة: يا رب .. ذاك عبدك يريد أن يعمل بسيئة وهو أبصر به، فقال: ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جراي». صحيح الجامع رقم: 4356

36. جنات النعيم هي كلمة جامعة للنعيم البدني والنعيم الروحي، أي ترف البدن وسرور القلب، وهذا لا يكون تمامه ودوامه إلا في الجنة، أما في الدنيا فمُحال أن يجتمع النعيمان، وإن اجتمعا لا يدومان.

37. لاحظ أنه جمَع الجنات بينما وحَّد العذاب، إشارة إلى رحمة الله الواسعة، وأنها سبقت غضبه.

38. وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا (9)
كان من الممكن أن يقول: ﴿وعد الله﴾ فحسب، فمعلوم أن الله لا يخلف وعده، لكنه أراد تثبيت القلوب المضطربة وطمأنة المترددين فقال: ﴿حقا﴾.

39. هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11):
هل سمعتم عن أحد خلق ذرة في هذا الكون من العدم، أو زعم أنه فعل؟ فكيف يعبد أناس حتى اليوم البقر والحجر من دون الله؟!
40. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ليس في الشرك وحده، بل في كل معصية. قال رسول الله ﷺ: «إنما الطاعة في المعروف». صحيح الجامع رقم: 2327
41. وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ (15)
ما الفارق بين التوبة والإنابة؟ قال أبو هلال العسكري: «التوبة هي الندم على فعل ما سبق، والإنابة: ترك المعاصي في المستقبل».
42. ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24):
بعد متاع الدنيا القليل جاء دور العذاب الطويل، والذي يجمع بين شدته وآلامه على النفس، وعدم طاقتها احتماله.
43. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25):
الذي خلق السماوات والأرض وما فيهما من نعم هو الذي يستحق الحمد وحده، لكن أكثر الناس لا يحمدون الله، كأنهم جهلة لا يعلمون هذه الحقيقة.
44. أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ
لما ذكر آية سماوية في قوله: ﴿ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر﴾ [لقمان: 29]، أتبعها بذكر آية أرضية: ﴿أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾، وذكَّر بفضله في قوله: ﴿بنعمت الله﴾ إشارة إلى سبب جريان الفلك، أي الريح، فتجري بسببها الفلك بأمر الله.
45. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31):
قال الشعبي: «الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله، ألم تر إلى قوله تعالى: ﴿إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور﴾».
46. وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
يُستدل بفساد الظاهر على فساد الباطن، فجحود الآيات في الظاهر، سببه الغدر والكفر المستقران في قلب العبد في الباطن.
47. أقبح الغدر هو الغدر مع الله. قال زيد بن أسلم: «والختر: أتمُّ الغدر وأبلغه».
48. حتى رسول الله لا يعلم الغيب!
لما قالت إحدى النساء في حضرة النبي ﷺ: «وفينا رسول الله يعلم ما في غد»، نهاها رسول الله ﷺ وقال: «قولي ببعض ما تقولين».

49. الم (1)
كل سورة ابتدأت بالحروف الهجائية المقطَّعة فهي سورة مكية، إلا سورتين: البقرة والآل عمران، فإنهما مدنيتان.
50. تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
لا ريب في أن القرآن منزَّل من عند الله، وهي حقيقة لا ريب فيها عند أي عاقل، والرَّيب في اللغة غير الشَّك، فالريب شك مع قلق واضطراب.
51. إذا تعذَّر عليك رؤية الله في هذه الدار، فأعزُّ شيء على الأحباب كتاب الأحباب، فاقرأ كتاب الله بشوق حتى يحين موعد الرؤية واللقاء في دار البقاء.
52. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
قال أبو حيان: «ما من شيء خلقه إلا وهو مرتَّبٌ على ما تقضيه الحكمة، فالمخلوقات كلها حسنة، وإن تفاوتت في الحسن، وحسنها من جهة المقصد الذي أريد بها، ولهذا قال ابن عباس: ليست القِرَدَة بحسنة، ولكنها متقنة محكمة».
53. أول الإحسان وأكمله وأعظمه هو إحسان الله عز وجلَّ، فلا مُحسِنَ أعظم من من المحسن جل جلاله.
54. وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7):
لم التكبر؟! وأصلك من طين، وأغلى ثيابك من دودة، وأشهى طعامك من حشرة، ومنزلك المقبل: حفرة تحت الأرض .

55. بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10):
إنكار هذه اللقاء أو التعامي عنه هو مفتاح الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، وما ذكر أحَدٌ لقاء الله إلا ارتدع عن كثير من معاصيه.
56. قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11):
أحيانا يسند التوفي إلى الله، وأحيانا إلى ملك الموت، وأحيانا إلى الملائكة، فهل في هذا تعارض؟! والجواب: لا تعارض، فإسناد التوفي إلى ملك الموت؛ لأنه المأمور بقبض الأرواح، وإسناده للملائكة؛ لأن لملك الموت أعوانا من الملائكة.
57. سمعوا القرآن فخَرّوا سجدا، لأن سماع القرآن من أعظم ما يورث رقة القلب ويعالج قسوته.
58. وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15):
ما أعظم فضل التسبيح! عن أبي ذرٍّ أنَّ رسول الله ﷺ سُئِل: أيُّ الكلام أفضل؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته أو لِعباده: سبحان الله وبحمده». صحيح مسلم: 2731
59. تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ
تتجافى الأجساد عن الفرش في الليالي الباردة، فتكون المكافأة جنات عـدن خـالدة.
60. كان عبدالعزيز بن رواد إذا جنَّ عليه الليل يأتي فراشه، فيمدُّ يده عليه ويقول:«إنك لليِّن، ووالله إن في الجنة لألْيَن منك».
61. فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19):
العمل الصالح سبب دخول الجنة، والعمل ثلاثة أنواع:
عمل القلب: وأوله الإيمان، النية الصالحة، وإخلاص العمل لله.
والثاني: عمل اللسان بالنطق بالشهادتين، ثم الذكر والدعاء والتسبيح.
والثالث: عمل الجوارح من صلاة وصيام وزكاة وحج وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر.

62. وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ :
الفسق هنا هو الكفر، ومع الكفر لا التفات إلى الأعمال، لذا لم يقل: (وأما الذين فسقوا وعملوا السيئات)، ولو جعل الله النار في مقابل الكفر وعمل السيئات، لظنَّ ظانٌّ أن مجرد الكفر لا عقاب عليه، وهذا باطل.
63. وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
أحيانا يكون نزول الشدة رحمة، وبمثابة صيحة تنبيه قبل نزول الشدة الأكبر غدا في نار الجحيم.
64. لا مقارنة بين العذاب الادنى في الدنيا والعذاب الاكبر في الآخرة. في الحديث:
«لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا، لأفسدت على أهل الأرض فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ (30)
قال الآلوسي: «فيه إشارة إلى أنه ينبغي الإعراض عن المنكرين المستهزئين بالعارفين والسالكين، إذا لم ينجع فيهم الإرشاد والنصيحة، وإلى أنهم هالكون لا محال».
65. وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
«يحتمل وجوها:
أحدها: وانتظر هلاكهم فإنهم ينتظرون هلاكك.
وثانيها: وانتظر النصر من الله فإنهم ينتظرون النصر من آلهتهم، وفارق بين الانتظارين. وثالثها: وانتظر عذابهم بنفسك فإنهم ينتظرونه بلفظهم استهزاء، كما قالوا: ﴿فأتنا بما تعدنا﴾ [الأعراف: 70]».

66. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ(11)
ابتلاء المؤمن مختلف، يرفع الله به درجته، ويحط خطاياه، ويقوّي إيمانه. قال بِشر بن الحارث الحافي بعدما ضُرِب أحمد بن حنبل: «أُدخل أحمدُ الكِيرَ فخرج ذهبًا أحمر».
67. لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)
يعلِّمنا القرآن أن نتأدب مع الله، فلا نتألى عليه أن لا يغفر لفلان، ولا يرحم فلانا.
68. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا
صدقوا الله، ونجحوا في اختبار الشدة، فكافأهم بأن ردَّ الكفار عنهم دون قتال.
69. وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ (25)
قال ابن كثير: «وفي قوله: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ﴾ إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش، وهكذا وقع بعدها، لم يغزهم المشركون، بل غزاهم المسلمون في بلادهم».
70. وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
قال السعدي: «لا يغالبه أحد إلا غُلِبَ، ولا يستنصره أحد إلا غَلَب، ولا يعجزه أمر أراده، ولا ينفع أهل القوة والعزة، قوتهم وعزتهم، إن لم يعنهم بقوته وعزته».
71. وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
الرعب من جنود الله، يؤيِّد الله به عباده الصادقين، إن بذلوا وسعهم، وتقطَّعت دونهم أسباب الانتصار.
72. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا
أنت وارثٌ لمالك، وهو معار لك، ويوشك أن ينتقل لغيرك بموت أو سلب أو إنفاق.
73. يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:
«لما أُمِر رسول الله ﷺ بتخيير أزواجه، بدأ بي، فقال: إني ذاكر لك أمرا، فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه، ثم قرأ ﴿ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا - وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما﴾ [الأحزاب: 28 - 29]، فقلت: في هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت عائشة: ثم فعل أزواج النبي ﷺ مثل ما فعلت، فلم يكن ذلك طلاقا».
74. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)
قال الإمام الآلوسي: «فلما خَيَّرهَن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة، مدحهن الله تعالى على ذلك، إذ قال سبحانه: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾، فقصره الله تعالى عليهن، وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة».

75. يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
كل تشريف يقتضي تكليفا! قال ابن كثير: «فأخبر تعالى أن من جاء من نساء النبي ﷺ بفاحشة- والله عاصم رسوله عليه السلام من ذلك كما مر في حديث الإفك - يضاعف لها العذاب ضعفين، لشرف منزلتهن وفضل درجتهن، وتقدمهن على سائر النساء أجمع».
76. قال صاحب الكشاف: «وإنما ضوعف عذابهن، لأن ما قبح من سائر النساء، كان أقبح منهن وأقبح، لأن زيادة قبح المعصية، تتبع زيادة الفضل والمرتبة، وليس لأحد من النساء، مثل فضل نساء النبي ﷺ، ولا على أحد منهن مثل ما لله عليهن من النعمة، ولذلك كان ذم العقلاء للعاصي العالم: أشد منه للعاصي الجاهل، لأن المعصية من العالم أقبح».

77. بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (30)
قال أبو حيان: «كبيرة من المعاصي، ولا يُتَوهَّم أنها الزنا، لعصمة رسول الله ﷺ من ذلك، ولأنه وصفها بالتبيين، والزنا مما يُتَسَتَّر به، وينبغي أن تُحْمَل الفاحشة على عقوق الزوج وفساد عشرته».
تدبر الجزء الحادى و العشرون من كتاب جعلناه نورا .    1. ﴿فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [العنكبوت: 47]:  ومن أمثال هؤلاء: عبد الله بن سلام وغيره، وخصَّهم الله بإيتاء الكتاب لكونهم من العاملين به، وكأن غيرهم لم يؤتوه؛ لأنهم لم يعملوا بما فيه، ومما فيه: أوصاف النبي ﷺ.    2. ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: 48]:  معجزة القرآن لم تكتمل إلا بكون النبي ﷺ أميا لا يقرأ ولا يكتب. قال الإمام الرازي: «أجَلُّ معجزات النبي محمد ﷺ وأشرفها أنه كان رجلاً أميًا».

إرسال تعليق

0 تعليقات