أتعرفُ لماذا تُحظر؟ أتعرفينَ لماذا تُحظرين؟
إذا كنتَ (تِ) طبيبًا ، وقد جلسْتَ في مكانٍ معيّن تتحدَّثُ عن أعرَاض مرَض معيَّن ، وطرُقِ الوقاية منه ، والدَّواءِ الذي يكون ناجعًا في القَضَاء عليه ، ونحو ذلك ممَّا هو داخلٌ في صُلب تخصُّصك ، وممَّا قضيتَ عمرًا طويلًا في دراسَتِه وتحصيلِه ، فبرَزَ لكَ شخصٌ من بين القَوم ، قد أخذَتْهُ العزةُ بمعلومَاتِه القيِّمَة التي استَقَاها من مجلَّة «طبيبك الخاص» ، قائلًا : «لا ، أيُّهَا الطبيبُ ، هذا الذي تقولُه خطأٌ ، هذا يخالِفُ المسْتَقَرَّ عليه في علم الطِّب» ، وبدأ يعلمك تخصصَكَ وعليه طَيْلَسان المعَلِّم الوَقُور ، فماذا ستفعلُ حينئذٍ ؟ ألا يجْدُرُ بهذا الشخص أن يسكُتَ ، ويتعَلّم قبل أن يتكَلّم ؟هذا الذي يحدُثُ ، يكتبُ أحدُ طلبةِ العلم منشورًا في مسألةٍ شرعيّة معيّنة ، ممَّا هو داخلٌ في صلب تخصُّصِه العِلْميِّ ، وممَّا قضَى في بحثِه وتحريرِه عُمُرًا ، فيأتي أخٌ (أو أختٌ) ممَّنْ لا يعرفون عن عُلوم الشّريعة إلا أسماء بعضها ، بل لا يكادُونَ يعُدُّونَ خمسةَ علوم منها ، فيقول : «هذا الذي تقولُه فيه نظرٌ ، وهذا خطأ ، هذَا يخالِفُ القُرآن ، هذا يخالِفُ السُّنة» ، وكأنه جَاء يحفِّظُ صاحبَ المنشورِ نصوصَ القُرآنِ ونصوصَ السنة .
يا أخي ، أنتَ لا تعرفُ عن هذا الذي تنظُرُ إليه شذر مذر إلا أنه واحدٌ من هؤلاء الذين ابتُلُوا بالشّهرة على هذا الأزرقِ ، لا تعرف كم قضَى في بحثِ المسألة التي يُكَلِّمك عنها ؟ لا تعرف كم علمًا دَرَس ؟ لا تعرفُ كم شيخًا سافَرَ إليه ؟ لا تعرف كمْ مجلدًا في فنونِ العلم قد جاء بما بين دَفَّتَيْه ؟
فإن قال قائلٌ : إذن ، المطلوبُ أن يتابعَ الشَّخصُ في صمتٍ ، ولا يعترض ، فطلبةُ العلم يريدونَ - إذن - مجموعةَ من القطيعِ المؤيدين لِمَا يكتبونَ ، أليس كذلك ؟
سبحان الله ، كلمتُه عن أبيه ، فقال : «خالي شعيب» ، ليس معنى ذلك ألا يعترض ، وإنما يسْتَشْكِل بأدبٍ ، فهناك فرقٌ بين اعتراضِ المُسَاوي في العلم واسْتِشْكال المُسْتَفتي وطالبِ التعلم .
فإن قال قائلٌ : ولماذا لا يعترض ، فكلامُ صاحب المنشور ليسَ كلامَ الله ورسولِه ، بل هو كلامُ بشرٍ محتَمِل للخطأ والصواب ؟
حسنًا يعترض ، ولكن لا يعترضُ على الطبيبِ إلا من درَسَ الطبَّ ، فتوكَّلْ على الله – أخي ، أختي – وادرُسْ العُدّة التي لا يصح أن تعترضَ إلا بها ، هيا ادرُسْ علومَ الشريعة والعربية .
هيا ادرس : الفقهَ ، وأصولَ الفقه ، والقواعدَ الفقهية ، والجدلَ ، واصطلاحات المذاهب ، والفروقَ الفقهية ، وتخريجَ الفروع على الأصول ، والنحوَ والصَّرْف والعَروضَ والبيانَ والبديعَ والمعاني وفقه اللغة وأصولها ، والمنطقَ والكلامَ والفِرَقَ ، والتفسيرَ وأصولَه ومناهجَ المفسرين ، ومصطلحَ الحديث وعللَ الحديث والجرحَ والتعديل ، وعلومَ السيرة والتاريخ ووو ... » .
فإن قال قائلٌ : أنا طالبُ علم (طالبةُ علم) ، فقد درستُ سنتين في معهد إعداد الدعاة ، ودرسنا علوم الشريعة .
نعم ، أعرفها هذه الدراسة العميقة ، كتابٌ في التوحيد ، وكتابٌ في تيسير مصطلح الحديث ، وكتابٌ في تيسير النحو ، وكتابٌ تربوي في السيرة ، وكتابٌ في الراجح عند شيخك الله أعلم بحاله ، هذه الدراسة لا تجعل منك (منكِ) طالبَ علم ولا معشار طالبٍ حتى يلجَ الجملُ في سمِّ الخِياط .
أعرف أن كلامي ثقيلٌ على أذنك ، لستَ بطالب بهذا الذي درستَ ، ولو عرفتَ العلمَ حقَّ المعرفة لعلمتَ نَّ أناسًا كثيرين قد أضاعوا عمرَكَ معهم فيما أوهموك أنه العلم .
وإنا لله وإنا إليه راجعون .
0 تعليقات