إسرائيل والنهاية..آه يا قصتي القصيرة

دعوة للتفاؤل والعمل ..

مقال:
إسرائيل والنهاية..آه يا قصتي القصيرة
د هشام حمامي
وسط صهللات وجلجلات وخزعبلات نتنياهو وكل النتنياهويين فى إسرائيل بما فعله ترامب وكل الترامبيين الأسبوع الماضى حول ضم مدينة المدائن(القدس)إلى الدولة اليهودية الخالية من أى عنصر غير يهودى والتى يزمع قيامها خلال المدى القريب القادم ..ووسط المؤتمرات التى يعقدها الحكام والمسئولون العرب تعويضا عن العجز الفعلى عن عدم قدرتهم على عقاب ترامب وإدارته على قراره..ووسط كل هذا الغضب الشعبى الصادق النبيل..وأيضا وسط هذا اليأس المطبق وهذه الكآبة السوداء..وسط كل هذا سيكون علينا أن ننظر الى جانب بالغ الأهمية فى المشهد الذى يتكون أمامنا ولايظهر لنا منه إلا ما رأيناه مما ذكرته أولا..وأقصد الجانب (السرى الخفى)فى الموضوع..تماما كما ذاك الجانب السرى الخفى الذى عاش به(مايكل هينشارد)عمره كله كما حكى لنا الكاتب الانجليزي توماس هاردى فى روايته الجميلة(عمدة كاستربريدج)..

إذ يروى أحد الصحفيين الإسرائيليين عن حادثة طريفة حدثت لأحد الكتاب الاسرائيليين والتي تعكس حقيقة الحقائق فى مسألة إسرائيل والدولة اليهودية وتذكروا هذه الجملة جيدا(حقيقة الحقائق)ذلك أن صاحبنا الكاتب هذا ذهب إلى طبيب فى عيادته الخاصة..فسأله الطبيب السؤال التقليدي الذى يسأله لكل مريض عن عمله ومهنته فأجاب بفخر: أنا كاتب..وفى نهاية الكشف الطبى سأله الطبيب متوددا:ماذا تكتب الأن؟ قال أيضا بكل فخر:عن مستقبل إسرائيل..فضحك الطبيب وقال: آه..إذن أنت تكتب القصة القصيرة

هذا يا إخوتى هو المزاج العام الحقيقى السائد في إسرائيل..مزاج الشعور بالنهاية..أو نهاية القصة القصيرة على حد تعبير الطبيب..الكل يكابر ويغالط لكن الجميع يشعرون بأنها أتيه أتيه لا محالة..إنها الحقيقة يا اخوتى التى تتأكد لنا كل يوم ومن باطن وأحشاء المجتمع الإسرائيلي وهو أننا أمام أكذوبة ولدتها خدعة لأن الحقيقة  النهائية _بجد  لا مزاح _ هى ما قاله  الشاعر الإسرائيلي حاييم جورى(كل إسرائيلي يولَد وفي داخله السكين الذي سيذبحه).     
المجتمع الاسرائيلى كمشروع سياسى وككيان روحى وككيان ثقافى أكذوبة كبيرة وما طال زمن الأكذوبة إلا من خمريات وخيبات العرب..يا حسرتاه لقد استطاع (البكباشى) أن يخدر أمة بأكملها.   إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي مجرد وجودها –وليس أمنها فقط - مثار جدل ونقاش حتى الآن

سيقول لنا المفكرالأمريكي الأشهر والأب الروحى للنزاهة والتجرد الفكري والإنساني فى العصر الحديث ناعوم تشومسكي(اليهودي النبيل)أن المجتمع الإسرائيلي لم ينتج سوى هتلرات (جمع هتلر) صغيرة وأن هذه الدولة خطرعلى اليهود أنفسهم وهى وتتجه في خطى ثابتة نحو العدم.

موضوع نهاية إسرائيل متجذر في الوجدان الصهيوني وحتى قبل إنشاء الدولة أدرك كثيرمن الصهاينة أن المشروع الصهيونى مشروع مستحيل البقاء والاستمرارية ..نحن أمام دولة تعيش على حافة الهاوية بين الحياة والفناء.

هاجس النهاية الذي يطارد الإسرائيليين له أسباب كثيرة أهمها أن هناك نظريه تاريخيه تسري على كل المجتمعات الاستيطانية وهى أن المجتمعات التى استطاعت أن تبيد السكان الأصليين(مثل أميركا وأستراليا) كتب لها البقاء أما تلك التي أخفقت في إبادة السكان الأصليين(الممالك الصليبية والجزائر وجنوب أفريقيا) فكان مصيرها الزوال ويدرك الإسرائيليون أنهم ينتمون للنوع  الثاني والمفارقة أنهم يعيشون على نفس الأرض التي أقيمت فيها الممالك الصليبية التي تذكرهم بالإخفاق والزوال القريب..

أستاذى وأستاذ كل الأجيال د/عبد الوهاب المسيرى رحمه الله ذلك العلامة الذى مرت من تحت قلمه كل الحكايات عن اليهود والدين اليهودى والصهيونية .. ذكرأن هناك دراسات إسرائيليه لا تنتهي عن المقومات البشرية والاقتصادية والعسكرية ومشكلات الاستيطان والهجرة التى قامت عليها الممالك الصليبية التى بادت وعن العلاقة بين هذه المجتمعات الاحلالية وبين الوطن الأصلي المساند لها فى محاوله – تبدو يائسة - لفهم عوامل الإخفاق والفشل التي أودت بها
الكاتب الإسرائيلي الشهير يورى افنيرى كتب عام 1983 بعد غزو بيروت (ماذا ستكون النهاية) وذكرأن الممالك الصليبية احتلت رقعة من الأرض أوسع من تلك التي احتلتها الدولة الصهيونية وأنهم كانوا قادرين على كل شيء ومع ذلك فقد ذهبوا مع الريح.

 هناك قلق محموم مكتوم مخفي فى اسرائيل إسمه(المستقبل)الرعب كله والقلق كله والخوف كله..وهوما تعززه دراسات وبحوث إسرائيلية علمية ومتجردة..فغير التهديد الخارجي من الحاله العدائية المتزايدة وفشل كل محاولات التطبيع والدمج مع الشعوب التي عقدت معاهدات سلام مع (حكوماتها) حيث كل شىء يمكن التضحية به على مذبح السلطة..وغير تهديد داخلي متمثل في الفساد المستشري وتآكل ما يسمى(منظومة القيم الصهيونية)التي استند إليها الصهاينة في إقامة كيانهم..هناك ما هو أكثر رعبا وقلقا وهلعا وهو الحضور الاسلامى فى الصراع..وهو ما يتمثل كل يوم فى تلك(الطلة)من الإطلالات الترامبية بامتياز علينا وعلى العالم.. 
ليس فقط تغريداته المهووسة بالصراع مع الإسلام ..وليس فقط وقوفه على حائط البراق بالقلنسوة اليهودية واضعا يده على الجدار مُودِعا ورقة تحمل صلواته فى فتحاته ليكون أول رئيس أمريكى يفعل فعلته التى فعل.. وليس فقط  قراره الأخير حول مدينة المدائن..لقد أسدى إلينا السيد ترامب فى الحقيقة خدمة كبيرة بأن يكون الصراع مكشوفا مفتوحا على عنوانه الأصلى وهو الخلفية الدينية التى يقوم عليها كل الكلام..ليستحضر لنا فى هذا المشهد التاريخى الضخم عموم المسلمين فى بقاع الدنيا كلها وهم الذين كانوا قد تراجعوا خطوات وخطوات بعد مدريد و أوسلو وعرفات وعباس  وبعد هذا الانكباب غير المفهوم من المنكبين العرب على أكتاف ترامب ونتينياهو(موشية يعلون قال الشهر الماضى إن الدول العربية السنية التي ناصبت العداء لإسرائيل في تلك الحقبة(حقبة 67) أصبحوا اليوم حلفاء لها يركبون معها بنفس القارب وهي الدول الرائدة في الوطن العربي).

بأكثر العبارات يسرا نقول ونقول :ما عاد خافيا بعد اليوم الارتباط الصلب بين الإيمان المسيحي(بعودة السيد المسيح)وقيام دولة(يهودية)صهيونية ..أي بإعادة تجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيهم ..مفهوم هكذا هو مفهوم أساسى ونهائى لدى الغرب وبالتالي فإن الموضوع متجذر في ضمير ومعتقدات الغرب?.?

هى حقيقة واقعة إذن أن هناك بعدا دينيا  للصراع وليس هذا البعد مجرد لمحة عابرة من لمحات المعارك بل هو الدافع الرئيسي والمكون الأصلي لقصة الصراع العربي الإسرائيلي بأكملها.

إسرائيل يا إخوتى_ فى حقيقة الأمر تأخذ طريقها إلى الزوال بخطى متسارعة  جدا جدا ..ككل المجتمعات الاستيطانية الاحلالية ..الإمارات الصليبية التى استمرت قرابة قرنين ثم زالت(1098-1149م) هى الهاجس التاريخى المرعب لإسرائيل كما قال يورى افنيرى.
وأنا بكل التقدير والاحترام أرجو من كل من يتعرض(للشأن السياسى) أن يكون مستوعبًا استيعابًا تامًا(لمنهج النظر)  فى تاريخ مسألة اليهود واليهودية والصهيونية..
كنت قد كتبت كثيرا من قبل عن رواية (فى مواجهة الغابة) التى كتبها فى ستينيات القرن الماضى الروائى الإسرائيلي( أبراهام يهوشوا)والتى تمت بألف صلة إلى الواقع الاسرائيلى.. رواية من اخطر ما يمكن قراءته لفهم النفسية الإسرائيلية تتناول الرواية الحالة النفسية لطالب اسرائيلى عين حارسا لغابة غرسها الصندوق القومي اليهودي في موقع قرية عربية أزالها الصهاينة مع ما أزالوه من قرى ومدن. ورغم أن هذا الحارس ينشد الوحدة والخلوة إلا أنه يقابل عربياً عجوزاً أبكم من أهل القرية يقوم هو وابنته برعاية الغابة،وتنشأ علاقة (حب وكره) بين العربي والإسرائيلي ..

فالإسرائيلي يخشى انتقام العربي الذى أصيب بعاهته أثناء عملية (الإبادة العرقية) التى قام بها الصهاينة عام 1948. ولكن وعلى الرغم من هذا يجد الحارس نفسه منجذباً إلى العجوز العربى بصورة غير عادية بل يكتشف أنه يحاول بلا وعي مساعدته في إشعال النار فى الغابة..وفي النهاية عندما ينجح العربي في أن يضرم النار في الغابة يتخلص الحارس من كل مشاعره المكبوتة ويشعر براحة غريبة بعد احتراق الغابة أى بعد( نهاية إسرائيل..)

لكنى أختم مقالى بتلك الكلمات المرعبات الصارخات المفزعات للعلامة جمال حمدان الذى يصف لنا موقف مصر القدرى من قصة فلسطين والقدس..فيقول:(مصر بالذات محكوم عليها بالعروبة ..ولكن أيضاً بتحرير فلسطين وإلا فبالإعدام ..!! فمصر لاتستطيع أن تنسحب من عروبتها حتى لو أرادت..وهي إذا نكصت عن استرداد فلسطين العربية كاملة من البحر إلى النهر وهادنت وخانت وحكمت عليها بالضياع.. فقد حكمت أيضاً على نفسها بالإعدام بالانتحار..وسوف تخسر نفسها ورصيدها الماضي والمستقبل والتاريخ والجغرافيا..إن مصير مصر ومكانتها في العالم سيحدده مصيرها ومكانتها في العالم العربي ومصيرها ومكانتها في العالم العربي سيحدده مصير فلسطين..)

انتهى كلام العلامة جمال حمدان فى نظرته لمصر العظيمة العبقرية .. 
هزيمتنا يا إخوتى ليست كاملة ونصرهم ليس تاما والنضال لن ينتهى.

إرسال تعليق

0 تعليقات