وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

قوله تعالى : ( وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [ الأنفال : 33 ] :


ذا في النّجاة العاجلة فقط فإنّها يُمكن أن تتحقّق بمجرّد الاستغفار والدّعاء وذكر اللّسان لأنّ ذلك مهما خلا من الصّدق والإخلاص فهو = حسنٌ في الظّاهر ، ولذا يجزي الله تعالى به جزاء حسنا في الظّاهر فقط أيضًا ؛ وهو = النّجاة من هلاك الدّنيا فقط لأنّ الجزاء عنده من جنس العمل ؛ وهذا كما في حال المنافقين الّذين يعصمون 


بذلك دماءهم وأموالهم ؛ وكذا ما يعود به مثل ذلك من النّفع العاجل على الكفّار وعموم النّاس كما قال تعالى على لسان نوح لقومه : ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ) ، 

وفي الحديث " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب " ، وقال تعالى : ( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ) [الفرقان : 77] ، وقال : ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُون ) [العنكبوت:65] ، وقال : ( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 63ـ64] ...

ولذا قال سفيان بن عيينة: " لا يمنعنّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه ، فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله إذ قــال: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ) " .

وذا من حِكم الله في أمره ببرّ الوالدين ولو كانا كافرين كما في قوله تعالى : ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) ، ولذا جاء في الحديث : « بابانِ مُعجَّلانِ عُقوبتُهما في الدنيا : البَغْيُ ، و العقُوقُ » ، وكذا هو من الحكم في تحريم ظلم الكفّار وعدم النّهي عن برّهم كما في قوله تعالى : ﴿ لا يَنهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم فِي الدّينِ وَلَم يُخرِجوكُم مِن دِيارِكُم أَن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ ﴾ ، 

ولذا يستجيب الله دعوة المظلوم ولو كان كافرًا لأنّ ذلك من العدل الظّاهر؛ ففي الحديث أيضًا : « اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافرا فإنما كفره على نفسه وإنه ليس بينها وبين الله حجاب » ...

التّفسير ‍الماتع الجامع لصنوف العلم النّافع  .


wonderfulpen

إرسال تعليق

0 تعليقات