وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

قوله تعالى : ( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [ آل عمران : 103 ] :

أي كنتم تاركين للإقرار بتوحيد الله مفرّطين في اتّباع رسوله فلا تقولون لا إله إلا الله ولا تعملون بمقتضاها حتّى وفّقكم الله لذلك فهداكم للإيمان والعمل الصّالح، كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تثبتون على أصل الهداية وتزدادون هدى .

فأصل الهدى نوعان : هدى بيان للعلم ، وهدى توفيق للعمل، ولا تتمّ هداية لأحدِ إلا بأن يجمع بين النّوعين معًا بأن يحصّل العلم النّافع ويسعى للعمل الصّالح .

والعلم لا يكون نافعًا إلاّ بالعمل به ، والعمل لا يكون صالحًا إلاّ بموافقته للعلم .

فكلا العلم النّافع والعمل الصّالح هما خطوتا النّجاة : كأنّ النّاس جميعًا على شفا حفرة من النّار مطلوبٌ منهم أن يتجاوزوها بتكبير خطوتهم مقدار خطوتين :

1 - فمن بلغه العلم ولم يعمل به فقد خطا خطوة واحدة فسقط في النّار .
2 - ومن عمل بخلاف العلم الذي بلغه فقد خطا خطوة واحدة فسقط كذلك .



3 - ومن علم وعمل فهو النّاجي المتّقي الذي أنقذها الله سبحانه منها .
4 - ولم يبلغه العلم فلم يعمل يؤجّل له الاختبار في الآخرة على الأصحّ ، فهو يكون في الدّنيا قد ثبت مكانه فهو باق على شفا حفرة من النّار الآن، والأوّلان على شفا حفرة من نار يوم القيامة .

فالحفرة من النّار في الآية هي = عاقبة الكفر ومآله، وممّا يفسّر ذلك :
 من التّنزيل ما في الأعراف من قول شعيب عليه السّلام : ( قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ) [ الأعراف : 89 ].

 ومن السنّة ما في "الصّحيحين" من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " .

التّفسير ‍الماتع الجامع لصنوف العلم النّافع

روائع القلم

إرسال تعليق

0 تعليقات