وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ ۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ

( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ ۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ) [ فصّلت : ٥٠ ] :

ولئن أذقنا الإنسان نعمة منا من بعد شدة وبلاء لم يشكر الله تعالى، بل يطغى ويقول: أتاني هذا؛ لأني مستحق له، وما أعتقد أن الساعة آتية، وذلك إنكار منه للبعث، وعلى تقدير إتيان الساعة وأني سأرجع إلى ربي، فإن لي عنده الجنة، فلنخبرن الذين كفروا يوم القيامة بما عملوا من سيئات، ولنذيقنهم من العذاب الشديد .

الإنسان يرى نفسه في منطقة آمنة من الشّرور والآفات؛ لأنّه في نظره لا يستحقّ أن يكون هنالك أصلا ، فهو لا ينبغي أن يَدْخُلَ في قائمة من يصيبهم الفقر والجوع والمرض والموت ونحو ذلك ، ولذا يتبرّم إذا أصابه الضّرّ ويتسخّط إذا مسّه الشرّ ؛ فتجده يشتكي أدنى وجع ولا يعتبر إذا تخطّاه البلاء إلى غيره لأنّ الشّرّ في عينه خاصّ بغيره حتّى لو كان الغير من أهل الخير ! بل حتّى لو كان الغير من أخير الأخيار !!

ولذا فأكثر ما يعزّي المصاب بمصيبته : ذكرُهُ ما أصاب الأنبياء ؛ وهذا لأنّ الأنبياء هم أفضل النّاس فأحقّ بالمجازاة على فضلهم ؛ ومع ذلك فقد كانوا يجوعون ويفتقرون ويُسجنون ويُطردون ويمرضون ويموتون ويُقتلون ، بل كانوا أشدّ النّاس بلاء بمثل ذلك ، لكن ما كان الحال كذلك إلّا لكون الدّنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة ؛ فهي = دار امتحان واختبار وممرّ إلى عالم الخلود والبقاء ؛ فهنالك حقيقة الجزاء بالسّعادة أو الشّقاء .

ولهذا روى مالك في الموطّأ عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليُعزِّ المسلمين في مصائبهم المصيبة بي ".
وروي هذا الحديث موصولا من طرق أخرى متعدّدة ، ومن الرّوايات فيه :" إذا أصيب أحدكم بمصيبةٍ فليذكرُ مصيبته بي فإنَّها أعظم المصائب " ، ومنها :" يا أيها الناس أيُّما أحدٍ من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبةٍ فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تُصيبه بغيري ، فإنّ أحداً من أمتي لن يُصاب بمصيبةٍ بعدي أشد عليه من مصيبتي " .



ولهذا قال القاسم بن محمد : كان أبوبكر الصديق إذا عزى عن ميت قال لوليه: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجزع فائدة، والموت أهون ما بعده وأشد ما قبله، اذكروا فقْد نبيكم تهون عندكم مصيبتكم صلى الله عليه وسلم وأعظم أجركم.

( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى )
وأمّا من يغلب عليهم الجهل والغرور فينسون الادّكار بذلك ويتركون الاعتبار بأقلّ ممّا هنالك ، وهذا لأنّهم يعكسون القضيّة ؛ حيث يعظّمون الدّنيا وينسون الآخرة ، حتّى يصل أمر الكثير إلى التّكذيب بالبعث رأسًا ؛ وذا حين لا يوجد لهم مبالاة إلّا بالشّهوات الحاضرات واللّذّات المحسوسات ، وحتّى أنّ من هؤلاء مَن إذا رجعوا إلى عقولهم ؛ فذكروا احتمال قيام السّاعة وحصول البعث فعلا : سرعان ما يعودون إلى جهلهم وغرورهم ؛ فيستبعدون أن تصيبهم في الآخرة الآلام أو يمسّهم العذاب ؛ وهذا لأنّهم يتمسّكون بما بدؤوا به ممّا يخدعون به أنفسهم من اعتقاد استحقاقهم هم الخير وأنّهم بمعزل عن الشّرّ ، فهم دائمًا في عزّة وشقاق.

ولذا قال صاحب الجنّتين : ( مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ) ،
وقال تعالى في العاص بن وائل :
 ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ... ) .

التّفسير ‍الماتع الجامع لصنوف العلم النّافع .

 ولئن أذقنا الإنسان نعمة منا من بعد شدة وبلاء لم يشكر الله تعالى، بل يطغى ويقول: أتاني هذا؛ لأني مستحق له، وما أعتقد أن الساعة آتية، وذلك إنكار منه للبعث، وعلى تقدير إتيان الساعة وأني سأرجع إلى ربي، فإن لي عنده الجنة، فلنخبرن الذين كفروا يوم القيامة بما عملوا من سيئات، ولنذيقنهم من العذاب الشديد

إرسال تعليق

0 تعليقات