❓/ ماذا جازت عقوبة العاصي في أحيان وهي قد تجب في أحيان أخرى ولا يجوز مع ذلك الشّماتة بالعصاة؟

⭕/ تجوز عقوبة العاصي في أحيان حتّى أنّ الشّرع قد أوجب على الحاكم إقامة الحدّ على بعض العصاة عند وجود الشّروط وانتفاء الموانع ، لكن الشّماتة مع ذلك لا تجوز؛ إذ هي = ليست العقوبة نفسها بل هي = الفرح بالعقوبة مع إظهار ذلك الفرح، وهذا لا يجوز من أجل النّصوص الكثيرة ممّا فيه الأمر بمحبّة المسلم والشّفقة عليه وعدم الفرح بعقوبته في ذاتها وترك الشّماتة به، ثمّ الشّماتة كذلك هي ذريعة للتّشاحن ومزيد التّفرّق والنّزاعات.
⛔⛔⛔⛔⛔⛔
من الأخطاء الشّائعة التّخليط بين الكراهة المتوجّهة للعصاة والمذنبين وبين الكراهة المتوجّهة لأعمالهم، فإنّ الأولى كراهة اضطراريّة فلا يتعلّق بها أمرٌ ولا نهي، والثّانية كراهة اخياريّة فهي المأمور بها شرعًا دون الأولى إذ لا يجوز حبّ المعصية والرّضا بها ويجوز معاقبة أصحابها في محلّ العقاب، وتفسير هذا أنّ: عقوبة المؤمن لا تُراد في ذاتها؛ فهي في الظّاهر عقوبةٌ، والقلب راحمٌ له في الباطن، فلا ينبغي معاملته على وجه النّقمة والبغض لذاته، بل ينصرف البغض والكراهة ونحو ذلك إلى معصيته دون شخصه؛ ومن ذلك أن لا يُنظر إليه نظرة ازدراء واحتقار مهما عصى بل هو يشفق عليه ويرحمه لما يقتضيه الاحتقار من الكبر باعتقاد الفضل الذّاتيّ عليه؛ وهذا لأنّ طاعة المطيع ـ الّتي يفضل بها العاصي في الظّاهر ـ إنّما حصلت بمشيئة الله وتوفيقه في الباطن؛ إذ لو شاء تعالى لأضلّ المطيع وهدى العاصي فهي لا تكون طاعة في الباطن ولا تُقبل إلّا مع الخوف من أن لا تُقبل؛ فذا يجعل الأمر يعود إلى تكافئ العاملين وعدم فضل أحد على أحد في الباطن، وهذا معنى ما ورد من: ـ "أنّ رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟ فاني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك". ـ ولذا قال النبي ﷺ للذي جلده في الشراب : " لا تلعنوه ؛ فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله " . ـ وقال في خالد بن الوليد لمّا قتل ناسًا أبرياء: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ " مَرَّتَيْنِ، فلم يتبرّأ ﷺ من الفاعل ذاته. ـ وروى أبو قلابة أنّ أبا الدّرداء مرّ على رجل أصاب ذنبا والنّاس يسبّونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب (في حفرة أو بئر) ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: نعم. قال: فلا تسبّوا أخاكم واحمدوا الله تعالى الّذي عافاكم. قالوا: أفلا تُبغضه؟ قال: إنّما أُبغض عمله فإذا تركه فهو أخي. ـ ولهذا جاء في الحديث: " لا تظهر ال‍شماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك". ـ وفي الحديث الآخر أيضًا: "مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ". ولهذا قال الإمام مالك: لا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أربابا، وانظروا إلى ذنوبكم كأنكم عبيد، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية. ومن كلام السّلف في هذا المثقام أيضًا: قول بكر بن عبد الله المزني: إذا رأيتَ من هو أكبر منك فقل هذا سبقني بالإيمان والعملى الصالح فهو خير مني، وإذا رأيت من هو أصغرمنك فقل سبقته إلى الذنوب والمعاصي فهو خير مني، وإذا رأيتَ إخوانك يكرمونك ويعظمونك فقل هذا فضل أخذوا به وإذا رأيتَ منهم تقصيرا فقل هذا ذنبٌ أحدثتُه . وعن صالح المري قال: وقف مطرف بن عبد الله بن الشخير، وبكر بن عبد الله المزني بعَرَفَة فقال مطرف: اللهم لا تردهم اليوم من أجلي. وقال بكر: ما أشرفه من مقام وأرجاه لأهله لولا أني فيهم. وعن عبد الله بن بكر قال:  سمعت إنسانا يحدث عن أبي، أنه كان واقفا بعرفة فرقّ، فقال: لولا أني فيهم لقلت قد غفر لهم. وقال هارون بن سوار : سمعت شعيب بن حرب، يقول: بينا أنا أطوف، إذ لكزني رجل بمرفقه، فالتفت فإذا أنا بالفضيل بن عياض، فقال: يا أبا صالح، فقلت: لبيك يا أبا علي، قال: إن كنت تظن أنه قد شهد الموسم شر مني ومنك فبئس ما ظننت. ولهذا فقول ابن تيمية 28/209 : "إذا اجتمع في الرجل خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير (يعني بالمولاة = محبّته في الباطن)، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر (يعني بالمعاداة = مقاقبته في الظّاهر)، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ويعطى من بيت المال ما يكيفه حاجته، هذافقد يجتمع في الرجل الواحد موجبات الاكرام وموجبات الإهانة كالسارق تقطع يده ويعطى من بيت المال لحاجته. وهذا الأصل ( يعني اجتماع المعصية مع الإيمان، والولاء مع البراء، والعقوبة مع الحبّ) اتفق عليه أهل السنّة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة والمبتدعة " .


إرسال تعليق

0 تعليقات