يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) [التغابن: 14] :

ليس المقصود بالعداوة هنا = العداوة الاخياريّة الّتي يتوجّه فيها العدوّ إلى قصد الإيقاع بعدوّه في الهلاك والضّرر.
وإنّما هي = العداوة الجبليّة ؛ وهي = تسبّب الحبيب في وقوع محبوبه في الهلاك والضّرر دون قصد منه .

فالأولى هي = عداوة البغضاء الّتي توجب ترك الرّحمة والشّفقة ، والثّانية 
المقصودة هنا ــ هي = عداوة المحبّة الّتي توجب المبالغة في الرّحمة والشّفقة إلى حدّ ينقلب فيه الأمر إلى ضدّه بحيث يؤول بصاحبه إلى معصية خالقه وتقديم حبّ المخلوق عليه ، وسمّيت هذه = "عداوة" أيضًا لأنّها تلتقي مع الأولى ــ أي مع عداوة البغضاء 
 في نفس نتيجتها ، فإنّهما ــ وإن اختلفا من حيث الدّافع لهما بل تضادّ الدّافعان هنا حيث انطلقت الأولى من البغض وانطلقت هذه من الحبّ ــ فإنّ المآل = واحد؛ وهو = مخالفة أمر الله الّتي هي = سبب الهلاك الحقيقيّ ؛ وهذا كما في قوله تعالى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) حيث روى أسلم أبو عمران قال : غزونا القسطنطينية ، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن الوليد والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة ، فحمل رجل على العدو ، فقال الناس : مه مه ! لا إله إلا الله ، يلقي 

بيديه إلى التهلكة !
فقال أبو أيوب : سبحان الله ! أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار؛ لما نصر الله نبيه وأظهر دينه ، قلنا : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها ، فأنزل الله عز وجل : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ، والإلقاء باليد إلى التهلكة = أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد.
فلم يزل أبو أيوب مجاهدا في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ، فقبره هناك ،
قال : فأخبرنا أبو أيوب أن الإلقاء باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله ، وأن الآية نزلت في ذلك .



قلتُ : وقريب من هذا المعنى : قوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) ، وقوله : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) ، وقوله : ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ) ونحو ذلك .

والمفاد هنا = أنّ ممّا يحبّه الإنسان ظاهرًا ما قد يكون في الباطن = وبالا عليه ، فيكون مآل محبّته = عداوة ؛ وذا إذا تعارضت أفعال المحبّ مع أمر الله وطاعته ؛ ومن ذلك الأزواج والأبناء إذا تسببوا في صرف أزواجهم وآبائهم عن طاعة الله أو أوقعوهم في معصيته .

ولهذا قال ابن القيّم في "عدّة الصّابرين" ص 65 : " ليس المراد من هذه العداوة ما يفهمه كثير من الناس أنها عداوة البغضاء والمحادة بل إنما هى عداوة المحبة الصادة للآباء عن الهجرة والجهاد وتعلم العلم والصدقة وغير ذلك من أمور الدين وأعمال البر كما في جامع الترمذى من حديث اسرائيل حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس وسأله رجل عن هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فاحذروهم ) 
قال : هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة فأرادوا أن يأتوا النبي ﷺ فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدَعوهم أن يأتوا رسول الله ﷺ فلما أتوا رسول الله ﷺ ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ ) الآية .
قال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح " .

يعني نزل قوله تعالى في تمام الآية : ( وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).
ثمّ قال ابن القيّم : " وما أكثر ما فات العبد من الكمال والفلاح بسبب زوجته وولده ، وفي الحديث: " الولد مبخلة مجبنة" .
وقال الإمام أحمد حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني زيد بن واقد قال حدثنى عبد الله بن بريدة قال سمعت أبى يقول: كان رسول الله ﷺ يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله ﷺ عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثى ورفعتهما " .

ليس المقصود بالعداوة هنا = العداوة الاخياريّة الّتي يتوجّه فيها العدوّ إلى قصد الإيقاع بعدوّه في الهلاك والضّرر.  وإنّما هي = العداوة الجبليّة ؛ وهي = تسبّب الحبيب في وقوع محبوبه في الهلاك والضّرر دون قصد منه .

إرسال تعليق

0 تعليقات