مِن مَّقاصِدِ سُّورَةِ العلق قدرة الله في خلق الإنسان .
مِن مَّقاصِدِ سُّورَةِ العلق: إظهار بديع قدرة الله في خلق الإنسان وبيان كمال الإنسان بالعلم والوحي الباعث على تعلق العبد بربه وخضوعه له، ونقصه بمخالفة ذلك، والحديثُ عن تكبُّر الإنسان وتمرُّده على أوامر الله بسبب نعمة الغنى.تفسير مختصر لسورة العلق
﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ (١) خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ (٢) ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ (٣) ٱلَّذِی عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ (٤) عَلَّمَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مَا لَمۡ یَعۡلَمۡ (٥)﴾
اقرأ -أيها النبي- ما أُنزل إليك من القرآن مُفْتَتِحاً باسم ربك المتفرد بالخلق، الذي خلق كل إنسان من قطعة دم متجمدة بعد أن كانت نطفة. اقرأ ما أُنزل إليك، وإن ربك لكثير الإحسان واسع الجود، الذي علَّم خلقه الكتابة بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يكن يعلم، ونقله من ظلمة الجهل إلى نور العلم.
﴿كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ (٦) أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ (٧) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰۤ (٨)﴾
حقّاً أن الإنسان ليتجاوز حدود الله إذا أبطره الغنى، فليعلم كل طاغية أن المصير إلى الله، فيجازي كلَّ إنسان بعمله.
﴿أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یَنۡهَىٰ (٩) عَبۡدًا إِذَا صَلَّىٰۤ (١٠) أَرَءَیۡتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۤ (١١) أَوۡ أَمَرَ بِٱلتَّقۡوَىٰۤ (١٢)﴾
أرأيت أعجب مِن طغيان هذا الرجل، وهو أبو جهل، الذي ينهى عبداً لنا إذا صلَّى لربه، وهو محمد ﷺ؟ أرأيت إن كان المنهي عن الصلاة على الهدى فكيف ينهاه؟ أو كان يأمر الناس بتقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أيُنْهى من كان هذا شأنه؟!
﴿أَرَءَیۡتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰۤ (١٣) أَلَمۡ یَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ یَرَىٰ (١٤) كَلَّا لَىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِیَةِ (١٥) نَاصِیَةࣲ كَـٰذِبَةٍ خَاطِئَةࣲ (١٦) فَلۡیَدۡعُ نَادِیَهُۥ (١٧) سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِیَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡ وَٱقۡتَرِب ۩ (١٩)﴾
أرأيت إن كذَّب هذا الناهي بما يُدعى إليه، وأعرض عنه، ألم يعلم بأن الله يرى كل ما يفعل؟ ليس الأمر كما يزعم أبو جهل، لئن لم يرجع هذا عن شقاقه وأذاه لنأخذنَّ بمقدَّم رأسه أخذاً عنيفاً وليطرحَنَّ في النار، ناصيته ناصية كاذبة في مقالها، خاطئة في أفعالها، فكأنَّ الكذب والخطَأ باديان منها. فليُحْضِر هذا الطاغية أهل ناديه الذين يستنصر بهم، سندعو ملائكة العذاب. ليس الأمر على ما يظن أبو جهل، إنه لن ينالك -أيها الرسول- بسوء، فلا تطعه فيما دعاك إليه مِن تَرْك الصلاة، واسجد لربك، واقترب منه بالتحبب إليه بطاعته.
تدبر سورة العلق
﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ (١) خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ (٢)﴾
• الصِّلة بين الدِّين والعلم وثيقةٌ جدًّا، كيف لا وأوَّل آيةٍ أُنزلت على سيِّد الأنام تدعو إلى القراءة والعلم؟ أمَّا انفصالُ العلم عن الدِّين فإنَّ ذلك طريقُ المغضوب عليهم، وأمَّا انفصالُ الدِّين عن العلم فذلك طريقُ الضَّالِّين؟
• افتُتحَت السورة بالأمر بالقراءة باسم الله، وخُتمت بالأمر بالسُّجود؛ لأنَّ القراءة مفتاحُ الوصول إلى حقيقة الخالق وعبادته.
• إن الذي خلقك من عَلَقةٍ صغيرة، ثم كمَّلك صورةً وخِلقة، هو الذي يأمرُك أن تقرأَ لتكتملَ عقلًا وعلمًا.
﴿ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ (٣) ٱلَّذِی عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ (٤) عَلَّمَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مَا لَمۡ یَعۡلَمۡ (٥)﴾
• ذكرُ الكرم الربَّانيِّ إشارةٌ لطالب العلم أنَّ الله سيُعينه ويذلِّل له العقَباتِ في طريق التعلُّم، وما عليه إلا أن ينطلقَ، وسيُفاجأ بعد ذلك بروعة النتائج.
• إذا وضعتَ القلمَ على القِرطاس فنتجَ منهما أصنافُ العلوم، فتأمَّل مَن الذي أجرى المعانيَ على قلبك، وأجرى العباراتِ الدالَّةَ عليها على لسانك وبنانك؟!
﴿كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ (٦) أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ (٧) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰۤ (٨)﴾
• الطُّغيان مذمومٌ في كلِّ شيءٍ حتى في العلم، فإذا انفصل العلم عن القِيَم والأخلاق عاد وَبالًا وفسادًا.
• الشعور بالاستغناء بالعلم يحمل صاحبَه على الكِبْر والعُجب المُفضِيان إلى الظُّلم، والغرب أكبرُ شاهدٍ على الطُّغيان بالعلم في عصرنا هذا!
• هو تحذيرٌ صريح لكلِّ مَن أطغاه ماله أو علمه أو منصبه؛ إنَّ مرجعَك ومآلك شئتَ أو لم تشأ إنما هو إلى الله، وهَيهاتَ أن تفرَّ من قضائه.
﴿أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یَنۡهَىٰ (٩) عَبۡدًا إِذَا صَلَّىٰۤ (١٠) أَرَءَیۡتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۤ (١١) أَوۡ أَمَرَ بِٱلتَّقۡوَىٰۤ (١٢)﴾
• أشدُّ الناس حُمقًا مَن يأمر وينهى، ظانًّا أن على الناس ألَّا يرَوا إلَّا ما يرى، فيتجاسرُ بالنهي عن طاعة الله وعبادته!
• أعظم شرفٍ يتشرَّف به المؤمنُ أن يكونَ عبدًا لله مخلصًا، كما كان نبيُّه ﷺ عنوانًا للعبد الكامل في الخضوع لربِّه والإخبات لجلاله.
﴿أَرَءَیۡتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰۤ (١٣) أَلَمۡ یَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ یَرَىٰ (١٤) كَلَّا لَىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِیَةِ (١٥) نَاصِیَةࣲ كَـٰذِبَةٍ خَاطِئَةࣲ (١٦)﴾
• لم يبدأ اللهُ المكذِّبَ بالحقِّ المتولِّيَ عن الصِّدق بالتهديد والوعيد، ولكنَّه مهَّد له بالتذكير باطِّلاع الله عليه، عساه إلى الصَّواب أن يرجع.
• سواءٌ عليكم أيها الكفَّار؛ أآذيتُم المؤمنين وصدَدتُّموهم عن الحقِّ أم اكتفيتُم بالتولِّي والتكذيب، إن الله مطَّلعٌ عليكم ومجازيكم بكفركم.
• إنك لتَلمِسُ رحمةَ الله ولطفَه حتى عند تهديده لأعدى أعدائه من الطُّغاة المتجبِّرينْ، فكيف رحمتُه بعباده الصَّالحين المتَّقينْ؟
﴿فَلۡیَدۡعُ نَادِیَهُۥ (١٧) سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِیَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡ وَٱقۡتَرِب ۩ (١٩)﴾
• أرأيتُم إلى هذا التحدِّي الصَّريح لأبي جهل ومن سار سيرتَه من عُتاة المشركين؟ إنه تحدٍّ قائمٌ لكلِّ الطغاة في كلِّ زمان ومكان؛ لن تغنيَ عنكم جنودُكم وقوَّتكم فتيلًا!
• قال رسولُ الله ﷺ: (أقربُ ما يكون العبدُ من ربِّه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء). قال مجاهد: ألا تسمعونه يقول: {واسجُد واقتَرب}؟
• في معركتك أيها المسلمُ مع الأعداء، إيَّاك أن تَلينَ لك قناةٌ فتطيعَهم، وما عليك إلا أن تزدادَ لربِّك طاعةً ومنه قربًا، فهو حسبُك ونعمَ الوكيل.
0 تعليقات